منذ أن نشر موقع يوتيوب أول فيديو له في 23 أبريل 2005، تطورت المنصة من فكرة بدائية لهواة التصوير إلى ما يشبه “هوليوود الرقمية”. ولكن خلف الواجهة اللامعة التي تروّج لها الشركة، يختبئ عالم رقمي هائل، غير مرئي في الغالب، مليء بالقصص الصغيرة، والمشاعر الصادقة، والتوثيق العفوي للحياة اليومية.
خوارزمية تتحكم بالمشهد… وتُخفيه
على الرغم من وجود أكثر من 14.8 مليار فيديو على المنصة، فإن معظم هذه المقاطع لم تُشاهد سوى مرات معدودة. وفقًا لبيانات جمعها باحثون من جامعة ماساتشوستس، فإن متوسط عدد مشاهدات الفيديو على يوتيوب هو 41 مشاهدة فقط. أما إذا حصل المقطع على 130 مشاهدة، فإنه يُعتبر ضمن الثلث الأعلى من المحتوى الأكثر رواجًا على الموقع. وهذا يكشف أن المنصة، من الداخل، ليست كما نراها على السطح.
يوتيوب: ذاكرة جماعية أكثر من كونه وسيلة ترفيه
يوضح الباحث رايان ماكجرادي أن النقاش حول يوتيوب غالبًا ما يتجاهل طبيعته الحقيقية كبنية تحتية رقمية، يستخدمها الأفراد لتخزين الذكريات ومشاركة اليوميات، لا فقط لتحقيق الشهرة. ولتأكيد ذلك، طوّر فريقه أداة بحثية نجحت في فحص أكثر من 18 تريليون رابط عشوائي على يوتيوب، مما أتاح لهم الوصول إلى مقاطع غير خاضعة لتحكم الخوارزمية.
عالم لا يُشبه واجهة المنصة
في هذا العالم “المخفي”، تجد مقاطع عادية وغير مثيرة، مثل تسجيل لسقوط الثلج في صمت، أو شابة تجلس مع أختها في غرفة جامعية. هناك من يستخدم يوتيوب كأرشيف شخصي، كإميلي التي حمّلت فيديوًأ منذ 2008 لتحتفظ به فقط، ناسية أمره تمامًا حتى تم سؤاله عنه لاحقًا. هذا النوع من المحتوى لا يهمه الوصول أو الشهرة؛ إنه موجود فقط ليكون.
الوجه الاجتماعي الحقيقي للمنصة
من جنوب آسيا إلى أمريكا الجنوبية، يستخدم الناس يوتيوب كأداة للتواصل، خصوصًا في المجتمعات التي يقل فيها استخدام القراءة والكتابة. ويُقدَّر أن 70٪ من فيديوهات يوتيوب بلُغات غير إنجليزية. يقول الباحث إيثان زوكرمان إن ما يُطلق عليه “محتوى الأصدقاء والعائلة” يُهيمن على هذه المقاطع، حيث تأتي التعليقات غالبًا من أشخاص يعرفون المبدع شخصيًا.
تجارب إنسانية مؤثرة
من رجل مُسنّ يعيش في سيارته مقابل أعمال يدوية، إلى شاب ينعى قطته المتوفاة، إلى راقصة باليه تطفو بخفة على المسرح، تكشف هذه المقاطع عن إنسانية غير مصطنعة، نادرًا ما نراها في محتوى التيار السائد. إنها توثق اللحظات العادية التي تكتسب قيمتها من صدقها.
قصة “ذا ووف درايفر”: عندما يتحول الشغف إلى أرشيف رقمي
بل هيلمان، المعروف باسم “The WoofDriver”، هو نموذج للمبدع الذي لا يسعى وراء الشهرة، بل يوثق رحلاته مع كلابه الأربع باستخدام عربات صممها بنفسه. رغم نشره أكثر من 2400 فيديو على مدى 14 عامًا، إلا أن معظم مقاطعه لا تحظى بمشاهدات تُذكر. ومع ذلك، يستمر هيلمان لأنه يجد في التوثيق متعة شخصية وتعبيرًا صادقًا عن شغفه.
الخوارزمية ليست العدو الوحيد
بين عامي 2009 و2012، كان مستخدمو آيفون قادرين على تحميل الفيديوهات على يوتيوب بضغطة واحدة. أدى هذا إلى ملايين الفيديوهات التي تُركت هناك، بنظام تسمية موحد. هذه المواد تشكل كنزًا بصريًا يوثق الحياة كما هي، خارج عدسات الاحتراف والمونتاج.
الحياة خارج الضوء
في النهاية، يوتيوب ليس فقط للنجوم أو المؤثرين، بل هو أيضًا للشخص العادي الذي يسجل لحظة عابرة، أو يتحدث إلى أحبائه، أو يحتفظ بذكرى في عالم رقمي سريع التغير. حين نُزيح الغطاء الذي تفرضه الخوارزمية، نكتشف أن “العالم الحقيقي ليوتيوب” هو فسيفساء من الأصوات الإنسانية العفوية، الحزينة أحيانًا، والمرحة أحيانًا أخرى، ولكنها دومًا حقيقية.
إذا بحثت عنه، ستجده.